الاثنين، 1 أبريل 2013

تكوين العقلية العلمية في القرآن (يوسف القرضاوي)


ومن أعظم ما عنى به القرآن فى مجالنا: هو تكوين (العقلية العلمية) فهناك ما يمكن أن نطلق عليه "العقلية العامية" أو "العقلية الخرافية"، وهي التي تصدق كل ما يقال لها أو يعرض عليها، ولا تضعه موضع امتحان، بل تأخذه قضية مسلمة، ولاسيما إذا جاء من قبل من تعظمه، مثل الأجداد والآباء، أو السادة والكبراء، فتقول: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. أو وجدنا سادتنا على ذلك يسيرون.

وفي مقابل هذه العقلية المتبعة، توجد عقلية أخرى مخالفة، لها مواصفاتها وخصائصها، وهي التي عمل القرآن بآياته المشرعة والموجهة على إنشائها، وصياغتها، وإبرازها لتقوم بدورها فى الحياة.

ومن المقرر المعلوم: أنه لا يمكن أن يزدهر العلم، وتتأصل جذوره، وتمتد فروعه، بل لايمكن أن ينشأ علم صحيح إلا في مناخ نفسي وفكري يهيئ للعقول أن تفكر، وللأفكار أن تتفتح، وللآراء أن تناقش، ولصاحب الحجة أن يدلي بحجته، وهذا ما يعمل القرآن على إيجاده في الحياة الإسلامية، وبعبارة أخرى: يعمل القرآن بدعوته القوية، وبتوجيهاته المتكررة على تكوين "العقلية العلمية" المتحررة، التي لا ينهض علم إلا على عاتقها، فهو يرفض "العقلية الخرافية"، ويرفض "العقلية المقلدة" ويرفض "العقلية المتخرصة" ويرفض "العقلية المتبعة للهوى".

أما كيف يكوِّن القرآن بتعاليمه هذه العقلية العلمية، فهذا ما نوضحه في هذه الصحائف، ومن قرأ القرآن وتدبره بحق، وجد مقومات هذه العقلية مجسمة فيه.

1) رفض الظن في موضع اليقين

وأول ما توصف به هذه العقلية كما بين القرآن: أنها ترفض الظن فى كل موضع يطلب فيه اليقين، كما فى مقام تأسيس العقائد التى تقوم عليها نظرة الإنسان إلى الوجود، أعني: إلى الله والكون والإنسان والحياة -فهذه القضايا الكبرى لايكفي فيها الظن، بل لابد فيها من العلم، أي العلم اليقيني- قد يكفي الظن في قضايا الفروع والجزئيات، التي تقوم عليها تعاملات الناس بعضهم ببعض، ولهذا تقبل شهادة الشهود مع احتمال الخطأ والكذب، ويقبل حديث الواحد، مع احتمال ذلك -أما في القضايا الكلية الكبرى، فلا يستغنى فيها عن اليقين.

ومن هنا أنكر القرآن على المشركين اتباعهم الظن في هذه القضايا، وقال عز وجل: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) [يونس:36].

وفي سورة أخرى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) [النجم: 28]. (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ) [الأنعام: 148].

وقال فى شأن المشركين عموما، ودعوتهم للأصنام من دون الله : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) [يونس: 66].

بل جعل القرآن اتباع الظن والخرص وراء ضلال أكثرية أهل الأرض وإضلالهم عن سبيل الله، يقول تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِى الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) [الأنعام: 116].

وحقيقة الخرص -كما قال الراغب في (مفردات القرآن)-: "إن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال: خرص، سواء أكان مطابقا  للشيء  أو مخالفا  له، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين، كفعل الخارص فيخرصه، وكل من قال قولا على هذا النحو قد يسمى كاذبا، وإن كان قوله مطابقا  للمقول المخبر عنه" ([31]) .

ويقول القرآن عن أهل الكتاب : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) [النساء:157–158] .

ويقول عن المشركين وعلاقتهم بالآخرة وقيام الساعة: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية:32].

2) عدم اتباع الأهواء والعواطف في مجال العلم

ولا ترفض العقلية العلمية الظن فقط، بل ترفض الهوى والعاطفة أيضا، فالهوى يعمي ويصم، واتباع العواطف قد يضلل الإنسان عن الحق، وخصوصا  العواطف الهوج، مثل الحب الشديد، والكره الشديد، والغضب الشديد.

ولا غرو أن جاء فى الحديث الصحيح: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"([32]), لأن انفعال الغضب يسد عليه منافذ الإدراك الصحيح لجوانب القضية المختلفة، فيظهر حكمه غير سليم.

ولهذا عاب القرآن على المشركين هذين الأمرين: اتباع الظن وهوى الأنفس معا، فقال فى شأن أصنامهم التي اتخذوها آلهة (اللات، والعزى، ومناة الثالثة الأخرى): (إِنْ هِى إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم 23].

وقال الله تعالى لداود: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) [ص: 26].

وقال فى خطاب رسوله : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) [القصص: 50].

وقال تعالى في ذم اتباع الهوى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23]. وفي سورة أخرى  يقول: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) [الفرقان:43- 44].

ولأجل ذلك قال ابن عباس: "شر إله عبد  في الأرض: الهوى"!

فالعقلية العلمية هي التي تنحي الأهواء والانفعالات والعواطف جانبا، وتنظر إلى الأمر نظرة موضوعية محايدة.

3) رفض التقليد الأعمى للآباء والأسلاف

والعقلية العلمية في نظر القرآن: هي التي ترفض الجمود على ما كان عليه الآباء والأجداد، أو التسليم المطلق لما عليه السلف المعظمون، ولاتقبل أن تقلد هؤلاء أو أولئك فيما اعتقدوه أو فعلوه، بل لابد من وضعه موضع الاختبار، والنظر إليه في ضوء العقل، وبميزانه المستقل، فليس من المعقول أن يفكر لنا الأموات ونحن أحياء، وأن يلزمنا الأقدمون بنتائج عصور مضت، إنما نحن ملزمون بما تهدى إليه عقولنا، وما ينتهي إليه تفكيرنا.

فإن من الخطل والخطر أن نفكر برؤوس غيرنا، وقد خلق الله لنا رؤوسا  خاصة بنا! ولهذا شن القرآن حملة عنيفة على الجمود والتقليد في كل صوره، ففي سورة البقرة يقول تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْى فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة: 170- 171].

وفي سورة المائدة يقول سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ  لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) [المائدة: 104].

ففي سورة البقرة بين أنهم ينقصهم العقل، وهنا بين أنهم ينقصهم العلم، وفي كلتا الحالتين بين أنهم ينقصهم الاهتداء إلى الصواب.

وفى سورة هود يقول تعالى:  (فَلا تَكُ فِى مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) [هود: 109].

وفى سورة الزخرف يقول تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ *وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ  إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ *قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [الزخرف:22-24].

فبين الله تعالى أن هذا هو موقف المترفين من أهل الشرك من قديم: الاتكاء على ما كان عليه الآباء.

وكذلك ذكر القرآن الكريم فى جملة سور هذا الجمود المقلد، أو التقليد الجامد، من الأبناء للآباء.

ففي قصة هود بعد دعوته البليغة وحواره القوي، نقرأ: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) [الأعراف:70].

وفى قصة إبراهيم: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأنبياء:52-54].

وفى قصة شعيب: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) [هود:87].

وفى قصص الرسل عامة مع أقوامهم يقول الله تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) [إبراهيم:10].

يعنون بالسلطان المبين: الآيات الكونية الخارقة، وكلها تعلات فارغة، فقد جاءت الرسل من قبل بهذه الآيات فكذبوا بها، كما فعلوا مع صالح وغيره.

يقول العلامة ابن الجوزي: في التقليد إبطال منفعة العقل، فقد خلق للتدبر والتأمل، وقبيح بمن أعطي شمعة أن يطفئها ويمشي في الظلمة [33]!

4) رفض التبعية للسادة والكبراء

ولم تقف حملة القرآن على الجمود العقلي الذي يتمثل فى تقليد الأبناء للآباء، والأحفاد للأجداد، بل شمل الجمود الذى يتمثل فى تبعية الشعوب والجماهير للسادة والكبراء والجبابرة وأصحاب السلطان والثراء.

لقد ذم القرآن هذه التبعية العمياء، وحمل الشعوب وزرها، مع المتبوعين من أئمة أهل النار.

يقول القرآن على لسان نوح عليه السلام: (رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا) (نوح:21).

وقال فى قصة هود وقومه عاد: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)  (هود:59).

وقال في قصة موسى وفرعون: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (هود:96-97)

وقال فى سورة أخرى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف:54).

وقد عرض القرآن لنا من مشاهد الآخرة ما يجسد لنا تلاوم المتبوعين والأتباع يوم القيامة، وتبرُّؤ بعضهم من بعض، ومحاولة كل فريق إلقاء التبعة على الآخر.

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (الأحزاب 66-68).

(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:166-167].

(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ:31, 33].

(قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِى النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الأعراف:38-39].

وهنا حمَّل القرآن الأتباع تبعة ضلالهم، فقد منحهم الله من المواهب والقدرات والآلات ما يمكنهم من اتباع الهدى، فعطلوا ذلك، وساروا في ركاب المضلين، فما أغنوا عنهم من الله شيئا.

صحيح أن المتبوعين المضلين يحملون من الأوزار أكثر من الأتباع، لأنهم يحملون وزر الضلال، ووزر الإضلال، كما قال تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل:25].

(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) [العنكبوت:13].

ولكن هذا لاينقص من أوزار الأتباع الذين ألغوا عقولهم، وداروا فى فلك المضلين

5) التعبد بالنظر العقلي

ومن مقومات هذه العقلية العلمية التي ينشئها القرآن: أنها عقلية تقوم على النظر والتفكر، فالنظر عندها فريضة، والتفكر لديها عبادة.

والقرآن حافل بالآيات التي تحض على النظر، وتدعو إلى التفكر، بأساليب شتى، وصور متنوعة.

والمراد بالنظر: النظر العقلي، وهو الذي يستخدم الإنسان فيه فكره في التأمل والاعتبار، بخلاف النظر البصري، فهو الذي يستخدم الإنسان فيه عينه.

قال الإمام الراغب: "النظر: تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وهو الرؤية، يقال: نظرت فلم تنظر: أي لم تتأمل ولم تتروَّ.

فعلى الإنسان أن يبدأ بالنظر في نفسه أولا، ثم في أقرب الأشياء إليه، يقول تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) [الطارق:5-8].

(فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا *فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ) [عبس:24-32].

ثم ينتقل بنظره إلى ما حوله متأملا  متدبرا  معتبرا، لينتقل من المصنوع إلى الصانع، ومن الأثر إلى المؤثر، ومن الكون إلى المُكوِّن.

يقول القرآن: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية:17-20].

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِى وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [ق:6-8].

(قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس:101].

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185]. فالنظر هنا عام شامل، يشمل كل ما خلق الله، من الذَّرَّة إلى المجرّة.

ومن داخل النفس إلى آفاق الكون الفسيح، الذي لا يعلم سعته إلا خالقه: (وَفِى الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِى أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات:20-21].

وأحيانا  يأمر القرآن بالسير فى الأرض للنظر في آيات الله في الكون، وفي الحياة، وفي التاريخ: (قُلْ سِيرُوا فِى الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [العنكبوت:20]. [...].

وقد تكرر هذا المعنى في القرآن عدة مرات: الحث على السير فى الأرض والنظر فى سيرة الأولين ومسيرتهم، وكيف نفذت فيهم سنن الله التي  لا تتخلف، رغم ما كان لديهم من كثرة العَدد، وقوة العُدد.

المهم أن يمروا على آثار القوم وما خلفوه وراءهم بعقول تفكر، لا بمجرد أعين تبصر، كما قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ) [الحج:46].

وبهذا شمل هذا النظر العقلي كل ما يقبل النظر: الإنسان نفسه وما حوله من نبات: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق:10]. وحيوان، وخصوصا: (الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية:17]. وجماد: (الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية:20]. و(السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) [الغاشية:18]. وكل ما فى العالم علويه وسفليه بهذا الشمول الذى نبهت عليه الآية: (فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185].

ولم يكن النظر مقصورا  على الأشياء، بل تعداها إلى الأحداث والسنن التي تدل عليها، مثل: سنن الله في عقوبات المكذبين، وفي تغيير ما بالناس من نعم إذا غيروا ما بأنفسهم من خير، وسنته في سقوط الأمم رغم عمارتها للأرض وكثرة أعدادها.

ومثل النظر العقلي: الرؤية العقلية، فقد حث القرآن في آيات كثيرة على هذه الرؤية التى يقصد بها رؤية العقل لا رؤية العين، وهي رؤية تشمل كل المخلوقات فى الأرض أو في السماء مما يبين عظمة خالقها، وروعة تدبيره، وبالغ حكمته، وسابغ نعمه على عباده، كما تشمل الوقائع والأحداث، التي تبرز قدرة الله تعالى وهيمنته على الكون وحده، كما تبرز عدالته وأنه يملي ويمهل، ولكنه لا يغفل ولا يهمل.

تقرأ مثل هذه الآيات: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل:79].

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [الملك:19].

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس:71- 73].

وينتقل من الطير والأنعام، إلى الأرض ومياهها ونباتاتها وعلاقة السماء به، والظواهر المتعلقة بها من الليل والنهار [...]

وهذه الرؤية ينبغي أن تشمل النظر فيما خصَّهم الله به من نعم لا تتوافر لغيرهم. [...]

ومما تشمل هذه الرؤية آثار فعل الله في الناس والمجتمعات، من بسط وقبض، ورفع وخفض، وإعزاز وإذلال [...]

وتشمل هذه الرؤية تاريخ القرون الماضية، وصنع الله في أهلها، من الطغاة والمتجبرين، الذين أفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها [...]

6) لا تقبل دعوى بغير برهان

ومن معالم العقلية العلمية في القرآن: أنها لا تقبل أي دعوى تُدَّعى بغير برهان علمي، يشهد لها، ويدل على صحتها وصدقها، وما لم يوجد دليل يثبت الدعوى أو القضية المطروحة، فهي فى نظر العقل المسلم مرفوضة ساقطة.

لقد رفض القرآن ما شاع لدى كثير من أرباب الديانات السابقة من قبول الدعاوى العريضة، والمعتقدات الموروثة، دون برهان على صحتها، ولم يرض بمسلك الذي قالوا: "اعتقد وأنت أعمى"! أو "أغمض عينيك ثم اتبعني"

إن كل مؤمن بعقيدة مطالب بإقامة البرهان على صدقها، أو التسليم لمن يدعوه إلى عقيدة غيرها يؤيدها الدليل والحجة.

وبهذا قرر القرآن هذه القاعدة الجليلة الكبيرة: أن لا دعوى بغير برهان! [...]

*الشرك جهل لأنه دعوى بلا برهان

ومن هنا اعتبر القرآن الشرك من باب الجهل المطلق، لأنه محض دعوى لا تسندها بينة، ولا يشد عضدها برهان، ولا يقوي ظهرها علم.

7) رعاية سنن الله في الكون والمجتمع

ومن معالم "العقلية العلمية" التي ينشئها القرآن: احترام السنن والقوانين التي أقام الله عليها نظام الكون، ونظام المجتمع، وهي سنن وقوانين لها صفة العموم والشمول، فهي تحكم على الناس جميعا، أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم، حاضرهم وباديهم، قويهم وضعيفهم؛ مؤمنهم وكافرهم، لاتحابي أحدا، ولا تتحامى أحدا، الكل في ميزانها سواء.

كما أن لها صفة الثبات والدوام، فهي لاتتغير ولاتتبدل، وهي تجرى على الآخرين كما جرت على الأولين، وتعمل فى عصر سفن الفضاء، عملها في عصر الجمل سفينة الصحراء.

يقول الله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران:137]. [...]

ومن أجل ذلك أنكر القرآن "السحر" واعتبره من عمل الشياطين، ومن أساليب الكفرة، واعتبره كفرا، أو قريبا من الكفر، وعَدَّ تعلمه مما يضر ولا ينفع [...]

والرسول صلى الله عليه وسلم أكد وجوب رعاية سنن الله تعالى، بقوله وعمله وتقريره، كما هو واضح في سنته وسيرته عليه الصلاة والسلام.

حينما كسفت الشمس يوم مات ابنه إبراهيم، قال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، وقد كان شائعا  في اعتقادهم أن الشمس لاتكسف، والقمر لايخسف، إلا لموت عظيم في الناس، ولو كان عليه الصلاة والسلام ممن يسكت على باطل، لسكت على هذا القول، الذي يضفي على أسرته هالة من العظمة والقدسية الزائفة، ولكنه أنكر ذلك ورفضه جهرة، وخطب في الناس قائلا: [إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا] ([34]).

وقد أنكر -صلى الله عليه وسلم- كل ما لايقوم على السنن الطبيعية والاجتماعية في أمور الحياة والرزق والطب والتداوي والعلاقات المختلفة.

ومن هنا أكد تحريم السحر، وجعله من الكبائر أو "الموبقات"، أي المهلكات التي يجب تحذير الأمة منها، فقال: [اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس...] الحديث ([35]).

وأنكر كذلك "التنجيم" الذي يقوم على التنبؤ بالغيبيات والمستقبليات، وربط ذلك بالنجوم، وحركاتها فيما زعموا، وهو الذي قيل فيه: "كذب المنجمون ولو صدقوا" وهو غير علم الفلك الذي يقوم على أساس من المشاهدة والحسابات الرياضية. [...].

وشدد النكير على اتخاذ التمائم والرُّقَى الجاهلية، وأمر بمراعاة الأسباب الطبيعية في التداوي والعلاج.

روى عنه ابن مسعود قوله: [إن الرقى والتمائم والتولة شرك] ([37]).

والتولة (بكسر التاء وفتح الواو): شيء يصنعه النساء (من ضروب السحر) للتحبب إلى أزواجهن.

وقال: [من علق تميمة فقد أشرك] ([38]).

إن المسلمين في العصور الأولى رعوا هذه السنن، واحترموا شبكة الأسباب والمسببات، فأقاموا حضارة مُثْلى، نشأت في رحابها علوم كونية ورياضية واجتماعية، بجوار العلوم الدينية، امتدت جذوعها، وبسقت فروعها، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها


يوسف القرضاوي، كتاب: العقل والعلم في القرآن الكريم

هناك تعليقان (2):

  1. ننهض بعقولنا وتحيا حين ترتبط بكتاب ربها
    الذي فيه كل ما يصحح المسار ويحمي الأفكار
    وينقي الذات

    حفظك الله ويسر لك

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا بك وبارك الله فيك
      سرّني مرورك

      حذف

قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

| مقطع مرئي |