الجمعة، 6 يناير 2023

التكرار في القرآن ما معناه وما هدفه؟


 ثمة قضية مهمة، تتعلق بفقهنا للقرآن المجيد، ومن ثم بفقهنا للإسلام كله [..]، وهي : أنْ نجعلَ اهتمامَنا بالأمور على مقدار اهتمام القرآن بها، بمعنى : أنْ نتخذَ من القرآن معياراً لمدى أهمية الشيء من عدمه؛ فـ :

- ما عُنِيَ القرآنُ بذكره من المعاني والموضوعات، وجَعَله في بؤرة اهتمامه، وكَرَّرَ الحديثَ عنه بصورةٍ أو بأخرى، بأسلوبٍ أو بآخَر : فيجب أن يأخذَ من عنايتنا واهتمامنا المكانَ اللائقَ به في الفكر والشعور والسلوك، وأن يكون لذلك أَثَرُهُ العملي في ميادين التثقيف والتوعية والتربية والحياة؛ اقتداءً منا بالقرآن،

- وما كانت عنايةُ القرآنِ به أقل : كانت عنايتنا به في نفس الدرجة.

فهذا - في تقديري- معيارٌ لا يَضِل؛ لأن القرآنَ هو عُمدة الملة وأصلُ الدين ويُنْبُوع الإسلام.

فـ :

- الأمرُ الذي يُعْنَى به القرآنُ الكريمُ (بحيث يكرره ويؤكده في أكثر من سورة، وفي أكثر من مناسبة، وبأكثر من أسلوب) : يدل - بوضوح- على أنَّ له أهميةً ومنزلةً وأثراً في ديننا وحياتنا تُوجِبُ الالتفاتَ إليه، والتنبيهَ عليه، وإعطاءَه حَقَّه من التأمل والعناية الفكرية والعاطفية والعملية، على قدر حَجْمِهِ في القرآن،

- وما أهمله القرآنُ تماماً، ولا ذَكَرَه بحالٍ : دليلٌ على أنه ليس مِن مُقَوِّمَاتِ الدين ولا مِن أساسياته [..]، فما لم يَذْكُرْه القرآنُ قط : يدل على أنه أمرٌ هامشيٌّ غيرُ أساسيٍّ [..]،

- وما ذكره القرآنُ بإيجازٍ وسرعةٍ (دون تفصيلٍ لأمره، ولا تكرارٍ له، ولا تركيزٍ عليه، وربما ذَكَره من باب الإشارةِ والتلميحِ لا العبارةِ والتصريح) : فينبغي أن يكونَ حظه من عنايةِ أُمّةِ القرآنِ - فكراً وشعوراً وعملاً- بمقدار حظه من القرآن [..].

ومن ثم، ينبغي إعادة النظر [في كثير من الأمور والقضايا] التي أَخَذَت وتأخذ مساحةً كبيرة، بل هائلةً، من فكرنا وشعورنا وجهودنا وثقافتنا وتربيتنا، [فتضخمت تضخماً سرطانياً]، على حين أُهْمِلَت، وعلى حساب إهمال، عددٍ آخَر من القضايا شديدة الأهمية والمركزية والمحورية لديننا وحياتنا.



بقلم يوسف القرضاوي، نقلًا عن إضاءات ومراجعات يحيى جاد




التكرار في القرآن:

 القرآن ليس قانونا ولا كتابا فنيا فيذكر المسألة مرة واحدة يرجع إليها حافظها عند إرادة العمل بها، وإنما هو كتاب هداية ومثاني يتلى لأجل الاعتبار والاستبصار تارة في الصلاة، وتارة في غير الصلاة، وإنما ترجى الهداية والعبرة بإيراد المعاني التي يراد إيداعها في النفوس في كل سياق يوجه النفوس إليها أو بعدها ويهيئها لقبولها، وإنما يتم ذلك بتكرار المقاصد الأساسية من تلك المعاني، ولا يمكن أن تتمكن دعوة عامة في النفوس إلا بالتكرار ; ولذلك نرى أهل المذاهب الدينية والسياسية الذين عرفوا سنن الاجتماع وطبائع البشر وأخلاقهم يكررون مقاصدهم في خطبهم ومقالاتهم التي ينشرونها في صحفهم وكتبهم، بل قال بعض علماء الاجتماع: إن نشر التجار للإعلانات التي يمدحون بها سلعهم وبضائعهم ويدلون الناس على الأماكن التي تباع فيها هو عمل بهذه القاعدة، فإن الذهن إذا تكرر عليه مدح الشيء ولو من المتهم في مدحه لا بد أن يؤثر فيه.


محمد رشيد رضا، تفسير المنار، النساء، 116-122

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

| مقطع مرئي |