ولد محمد صلى الله عليه وسلم بمكة ولادة معتادة، لم يقع فيها ما يستدعي العجب أو يستلفت النظر ولم يمكن المؤرخين تحديد اليوم والشهر والعام الذي ولد فيه على وجه الدقة؛ وأغلب الروايات تتجه إلى أن ذلك كان عام هجوم الأحباش على مكة سنة 570م في الثاني عشر من ربيع الأول عام 53 ق.هـ.
وتحديد يوم الميلاد لا يرتبط به من الناحية الإسلامية شيء ذو بال؛ فالأحفال التي تقام لهذه المناسبة تقليد دنيوي لا صلة له بالشريعة.
وقد روى البعض إن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد؛ فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرة، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة "ساوة" بعد أن غاضت. [...]
وهذا الكلام تعبير غلط عن فكرة صحيحة. فإن ميلاد محمد كان حقًا إيذانًا بزوال الظلم واندثار عهده واندكاك معالمه. [...].
وقد كانت رسالة محمد بن عبد الله أخطر ثورة عرفها العالم للتحرر العقلي والمادي وكان جند القرآن أعدل رجال وعاهم التاريخ، وأحصى فعالهم في تدويخ المستبدين وكسر شوكتهم، طاغية إثر طاغية.
فلما أحب الناس -بعد انطلاقهم من قيود العسف- تصوير هذه الحقيقة، تخيلوا هذه الإرهاصات، وأحدثوا لها الروايات الواهية، ومحمد صلى الله عليه وسلم غني عن هذا كله. فإن نصيبه الضخم من الواقع المشرف يزهدنا في هذه الروايات وأشباهها.
محمد الغزالي، فقه السيرة، ص37- 48
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق