العلم دقيق والفن صادق كما قال بيجوفتش يوما.
للعلم منهجه الذي لا يحابي مجتمعا أو عقيدة أو عادات، ويهمه أن يصل إلى الحقيقة في عالم الأنفس والآفاق، وهي بتعبير اليوم العلوم الطبيعية والإنسانية.
والحقيقة حقيقة في أي مكان وزمان، ولن تختلف إن قالها كافر أو مؤمن..
فهل يسوغ أن تقول أنني لن أقبل قانون الجاذبية مثلا لأن مكتشفه يشرب الخمر؟
وإن ضيقنا الدائرة فقربناها لتشمل طوائف مسلمة أو تيارت فكرية تغايرنا، فهل سندير ظهرنا لأن الفكرة الفلانية أو الحقيقة الفلانية صدرت من فلان الذي لم نرتضِ منه طائفته أو منهجه أو تياره أو أفكارا أخرى؟.
صرنا نعمّي أحيانا على مصدر الفكرة حتى لا يتطيّر منها هذا الصنف من الناس.
الذي يريد أن يقنعنا أن إعراضه غيرةً على الحق والعلم والمنهجية، ولسان حاله غرق تام في الشخصنة أي مشكلته مع الرسول وليست مع الرسالة، فالرسالة فيها خير يقر به لو جهل رسولها، لكن كرهه له زهّده بها.
لقد تعلمنا في منطق النقد المنهجي الجاد الذي يتعالى على العواطف، وفي منطق البحث العلمي،أن نضع كل ما قيل في الموضوع الذي ندرسه عل نطع النقد، ونبين إيجابياته وسلبياته، ونؤخذ الحقيقة أو الفكرة إن نجعت ونطرح ما سواها..
وفي دائرة الفكر والاجتهاد عامة ثمة آراء كثيرة يتسع لها الواقع لكن ضاقت بها صدور الناس فاحتقنت بالبغضاء والتهم والتعصب، ولو رُفعت عنها يد السلطة لاحتملت الأيدي السلاح لتنفذ ما في صدورها !.
وهذا المرض يشمل فضاءات كثيرة كبيرة ليس أولها الدين والفكر، بل يتسع ليشمل الطوائف والمذاهب ضمن الدين نفسه، والانتماءات الحزبية والجغرافية والقبائلية والمهنية..إلخ وكل حزب بما لديهم فرحون.
هل هذا العقل الذي يدعو إليه القرآن؟
القرآن يدعو دائما إلى التمييز بين المستويات والدرجات والعمل بناء على تمايزاتها، فليس أهل الكتاب سواء، فمن أحب الحوار والجدال منهم فأهلا به بالتي هي أحسن، فإن لم يفهم إلا لغة السيف وأراد أن يقصمني به، أمرني القرآن أن ألجمه بالقوة، فإن برني ولم يؤذني في ديني وداري أمرني أن أبره وأقسط إليه!.
وبيّن لي أن الاختلاف سنة من سنن الله وآية ينبغي أن نقدرها قدرها ونعلم أنها اختبار نتسابق فيه على طريق التقوى إلى سدرة الإكرام، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). هذا فيما يخالفنا ملة كاليهود والنصارى وغيرهم.. فكيف بمن يشاركنا القبلة والكتاب وكثيرا من العوامل المجمِّعة؟.
هل يكفي خلاف بعض الأفكار أن أشنع عليه وأشغب على ما قدمه من حق ونفع؟
أظن أن كثيرا -ممن يلقي علينا خطبه من شرفة النقد على هذه المنصات -سيتواضع قليلا لو هدّأ غضبَته بالإنصاف ..
والإنصاف خلق عزيز لا يقدر عليه أي قلب....
فيصل العلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق