الجمعة، 27 يوليو 2018

الإبريق الكوني: على من يقع عاتق إثبات وجود الله؟

إبريق راسل أو الإبريق الكوني هي حجة تستخدم في النقاشات الدينية بهدف تحديد على من يقع عاتق التدليل على وجود الله... الملحد يقول للمؤمن أنت هو الذي عليه أن يبرهن لنا بأن الله موجود، والمؤمن يقول للملحد بل أنت الذي عليه أن يبرهن لنا بأنه غير موجود...



تقول حجة الإبريق بأن فكرة وجود الله لا تختلف عن أي فكرة وهمية أخرى، كأن ندعي بأن هناك إبريقًا سابحًا في الفضاء، وهي فكرة خيالية لا يمكن نفيها أو إثباتها لطبيعتها الوهمية، فوجود الله مجرد افتراض عقلي لا دليل عليه، ولذلك لا يمكن للملحد إثبات أنه غير موجود، وتبقى البينة على من ادعى، فمن جاء وادعى بأن هناك إبريقا سابحًا نطالبه بالإثبات ولا نصدقه.



برأيي أن حجة الإبريق حجة سليمة، البينة دومًا على من ادعى، وإلا لأصبح المجال مفتوحا للمدعين يدّعون ويروجون لما يشاءون... حين يأتينا رسول أو نبي نطالبه بالدليل على نبوته، حين يدعي بأن هناك إله وأنه أرسله وأنه يريد منا كذا وكذا، نطالبه بالدليل، ومن الجنون أن نصدقه دون سؤال وتحقيق! إذن الأصل هو أن الحجة على من ادعى.



نعم، على المؤمن أن يقدم براهينه وأدلته على وجود الله، لكن تمهلوا! هناك لفتة جوهرية لا يجب إهمالها!



حين نأتي على قضية محورية في حياة الإنسان هي قضية وجود إله، والذي يترتب عليه مستقبل الإنسان ومصيره، إن كان هناك إله فحياتك أيها الإنسان ستنقلب رأسا على عقب، لأنها قضية تحتمل فيها الجنة أو النار، والجزاء أو العقاب... أعتقد بأن في هذه الحالة لن يستطيع الإنسان أن ينام على سريره مرتاح البال... ماذا أقصد بكلامي؟ سأوضح.



الآن قلنا البينة على من ادعى... لكن لو جاءك شخص وقال لك هناك رجل مجنون بيده مسدس وهو واقف عند باب بيتك، وسيقتل من يفتح الباب، ماذا ستفعل؟ هل ستقول: والله البينة على من ادعى وتتجاهل كلامي؟! إنها ليست قضية هامشية، بل قضية حياة أو موت! والأسلم التأكد من صحة كلامي بشتى الوسائل المتاحة، فإن تبين صدقه نجى الجميع، وإن تبين كذبه لم تخسر شيئا بتأكدك!



نفس الشيء بخصوص قضية الألوهية، هي قضية محورية في حياتك أيها الإنسان، يترتب عليها مصيرك، وبالتالي فالأسلم والأعقل ليس أن تقول (والله لا يوجد دليل)، بل الأسلم البحث والتنقيب عن الدليل وكأنك تنقب عن الذهب، وعدم التوقف وعدم الاستسلام حتى الوصول لجواب يحسم الأمر... لو كانت هناك نسبة ولو بقدار 0.0000001 من المئة بأن الإله موجود، فعليك أن لا تنام مرتاح البال حتى تحسم تلك النسبة وتقضي عليها، قبل أن تلحد! ولذلك أعتقد بأن اللاأدري أكثر صدقا مع نفسه من الملحد.



النقطة الأخرى وهي بأن هناك فرقًا شاسعًا بين قضية وجود الإله وقضية وجود إبريق سابح في الفضاء، الإيمان بالله يختلف عن الإيمان بالإبريق، الإبريق مجرد فرض عقلي عشوائي لا دليل له في الواقع يدعوا للإيمان به، أما وجود الله فهو معتقد مهيمن سائد في البشرية جمعاء، إنك أيها الإنسان بفطرتك وبداخلك وبطبيعتك تجد نفسك تتساءل عن أصلك وأصل هذا الكون ونشأته! العلم يثبت بأن هذا الكون الذي نعرفه ليس أزليًا، وبأنه بدأ في لحظة ما... فكيف بدأ؟ إن كان لكل شيء من سبب فبطبيعة الحال سيقودنا هذا للمسبب الأول، أي حديث عن نشأة الكون والكواكب والمخلوقات سيدور في فلك المسبب الأول، سندور وندور ونطرح الاحتمالات يمينا ويسارا لكننا حتما سواء كنا مؤمنين أم ملحدين سيقودنا الحديث إلى موضوع الخلق والخالق، لكن أين مكان الإبريق في كلامنا؟ ببساطة لن يتحدث عنه أحد!



صديقي، لا تكفر بالله بحجة أنك لم تعثر على الدليل بعد، بل ابحث عنه ونقب! لا تيأس وإن وصلت لطريق مسدود...


اقتباس نضيفه لكم:

يقول الملحد: "عليكَ أن تثبت لي أن الله موجود والبينة على من ادعى"

يقول المؤمن: "عليكَ أنت أيها الملحد إثبات أن الله غير موجود"

فأيهم على حق؟ وعلى أي منهما يقع عاتق الإثبات؟

المشكلة هنا هي أن إثبات وجود شيء ما أصعب بكثير من نفيه. النفي لا يحتاج لدليل غير انعدام الدليل على الوجود (يمكنك أن تنفي وجود أي شيء وأنت جالس في مكانك ودون أدنى جهد أو تعب في البحث). بالمقابل إثبات وجود شيء ما هو الأصعب، لأن عليك في هذه الحالة أن تبحث وتنقب عن أدلة وجوده.

وفي كل الأحاول الملحد والمؤمن مخطئان في منهجهما، فعلى المؤمن أن يسوق الأدلة المقنعة على إيمانه بوجود الله، ولكن بالمقابل على الملحد أن لا يرفض وجود الله قبل أن يبحث عنه بحثا جادًا... فنفي وجود شيء وأنتَ جالس في بيتكَ لا تقوم بشيء، ليس طريقة علمية سليمة، عليكَ أيها الملحد أن تبحث عن الله بدل الانتظار من المؤمن أن يأتيك بأدلته... هذا الكلام صحيح بخصوص أي شيء يُقام جدل حول صحة وجوده، لكن هذا الكلام يكون أكثر صحة إن كان الكلام متعلقا بالله... وهذا لأن الإيمان بالله شعور فطري طبيعي اعتقد به البشر وعلى مدار السنين، وهذا الاعتقاد شبيه جدًا باعتقادات أخرى أساسية كاعتقادنا أن للآخرين عقولا، وتصديقنا لما نستشعره بحواسنا، ومفايهم كثيرة أخرى منطقية نبني عليها الكثير من الأمور كقولنا بأن الكل أكبر من الجزء... هذه أمور نؤمن بها ونصدقها دون الحاجة لأن نسوق دليلا.

ولذلك فإن عاتق الإثبات لا يقع على طرف واحد بل على الطرفين معًا وحتى الوصول لدليل قاطع يُثبت رأي طرف ما أو ينفيه.

عمرو شريف (رحلة عقل)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: