أقول لأولئك الذين ألقت نظرية المؤامرة على أعينهم الكثير من الأغشية السوداء: إن الأمة لو تركت وشأنها – كما ينادي كثيرون – دون أي تدخل خارجي فإن أحوالها لن تتغير كثيرا.
]...[
لأن تدهور أوضاعنا يعود إلى قصور ذاتي قبل كل شيء. لو كنت تقاتل عدوا بسيف ومعه أيضا سيف، ونتيجة سوء صانعي سيفك انكسر سيفك ]...[ واستطاع عدوك أن يتغلب بعد ذلك عليك، فمن الذي تيحمل مسؤولية ذلك؟ العدو الذي يعسى إلى قهرك ويجاهر بذلك، أو الذي صنع السف المغشوش، أو الأمة التي لم تتعلم إتقان صناعتها؟ حمل المسؤولية لمن شئت، ولكن لا تحملها لمن تصارعه وأنت ترجو التغلب عليه على نحو ذلك كنا نصار الغرب بمفاهيم وأدوات وكانت الحرب بينه وبيننا سجالا إلى أن جدد في نظمه وأوضاعه وأساليبه وأدواته، وجمدنا نحن على ما كان لدينا قبل قرون، وفي بعض الاحيان تراجعنا. وكانت النتيجة المنطقية والعادلة ما نراه اليوم!
إن من المهم أن ندرك أن الغرب تركنا وشأننا في أمور كثيرة، كما أن حكامنا تركونا وشأننا في أمور كثيرة، وتصرفنا في كلتا الحالتين على نحو سيء ومخجل، ما علاقة الغرب بالخريج الجامعي الذي لا يقرأ في النسة ولا كتابا واحدا؟ وما علاقته بالوضعية المخجلة للمكتبات العامة الي تصفر من قلة زوارها؟ وما علاقة الغرب أو الآخر بالمسلم الذي لا يصلي رغم الدعوات المتكررة له إ‘لى ذلك؟ وما علاقة الغرب بالذي يزني ويشرب الخمر، ويتكلم بكلام بذيء في بيته؟ وما علاقة الغرب بالمدرس الذي لا يحضر دروسه على نحو جدي؟ وما علاقته بالحاكم الذي يقبل الرشوة ويمارس الظلم؟ وما علاقته بالأم التي تهمل بيتها وتربية أبنائها ]...[؟ وما علاقة الغرب بالموظف الذي يتأخر كل يوم ساعة أو ساعتني عن دوامه، وينصرف قبل انتهاء الدوام أيضا بساعة أو ساعتين، وهو بين الحضور والانصرفا لا ينجز عملا ولا يخدم مواطنا؟ وما علاقة الغرب بالشاب الذي يقود سيارته بسرعة جنونية كاسرا كل قوانين السير وآداب الطريق ومعرضا حياته وحياة غير للمخاطر؟؟
إن هذه التصرفات وأخرى كثيرة شبيه بها. هي الذي تشكل في نهاية المطاف موقفنا الحضاري بين الأمم، وهي التي تجعل منا لقمى سائغة وسهلة المضغ والبلع، وهذا ما يغري الآخرين بالعدوان علينا.
]...[
من المهم أن يدرك شبابنا خاصة أن لدى كل فرد من الأفراد، ولدى كل مجتمع من المجتمعات إمكانية معينة لعمل شيء مفيد وصحيح، ولو كان ذلك الفرد سجينا، أو كان ذلك المجتمع يقبع تحت نير الاستعمار.
إذا عرفنا موطئ القدم أو نطاق الإمكانيات المتاحة، وأخذنا في العمل في إطار تلك الإمكانية فإن العمل نفسه سوف يوسع ذلك وفق المبدأ الرائع الذي يقول: (إذا عملت ما هو ممكن اليوم فما هو مستحيل اليوم ممكن غدا).
الخلاصة ]...[: الداء داخلي والقصور داخلي ]...[
عبد الكريم بكار
من كتاب: الأسئلة المحظورة - التأزم الفكري في واقعنا الإسلامي المعاصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق