الشروط التي يجب أن تستوفيها أي دعوى للإعجاز العلمي لقبولها، وإلا فهي دعوى مرفوضة:

الشرط الأول: أن يكون النص مفهوم المعنى تماما لمجموع المخاطبين به منذ صدوره.
فيُردّ
بهذا الشرط كل إعجاز علمي يُزعم فيه فوات المعنى الصحيح للآية على من
خوطبوا بها أيام التنـزيل.
الشرط الثاني: أن يكون المعنى الإعجازي مدلولا متعينا للنص.
ويُردّ
بالشرط الثاني كل إعجاز علمي مبني على معنى محتمَل في الآية، حتى لو التزم
صاحبه بصحة المعنى الآخر الذي فهمه السابقون أو بعضهم من الآية؛ لاحتمال
أن يكون وحده هو مراد الله تعالى من الآية دون غيره من المعاني المحتملة،
وإذا دخل الاحتمال سقط الاستدلال. ومثال ذلك الإعجاز المدّعى في
قوله تعالى: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب
ظلمات بعضها فوق بعض} [النور]، وأن المراد بها الموج الباطني والموج
السطحي؛ فإن عامة المفسرين على أن المراد بالموج الذي من فوقه موج هو
هذه الأمواج المترادفة المتراكبة المتتابعة المتلاطمة، التي يشاهدها مباشرة
كل من نظر إلى بحر هائج، فهي مراد للآية قطعا؛ وإلا لم يكن المثل المضروب
للكافر مفهوما لمن لا يعرف الموج الباطني.
[بمعنى أن الآية يجب أن تكون واضحة وصريحة في ذلك المعنى المقصود بحيث لا يمكن فهمها بطريقة أخرى مغايرة للمعنى المقصود، والآيات التي اختلف في تفسيرها لا يصح ربطها بالإعجاز العلمي، فهي حمّالة أوجه ولا يمكن الجزم بأن المعنى الذي يؤدي للإعجاز العلمي هو المقصود، ومتى كان المعنى محتملًا أو ظنيًا سقطت دعوى الإعجاز من الآية. ويدخل في هذا أي ليّ لعنق الآية أو تكلّف أو تحميلها لما لا تحتمله من معانٍ، أو خروج عن سياقها العام]
الشرط الثالث: ألا يكون صدق هذا المعنى ومطابقته للواقع في نفس الأمر معلوما من قبل للمخاطبين.
ويُردّ
بالشرط الثالث كل إعجاز علمي مبنيٍّ على معنىً كان الناس يعرفون مطابقته
للواقع في نفس الأمر قبل تحّدث النبي صلى الله عليه وسلم به. ومثال
ذلك الإعجاز المدّعى في الآيات التي تتحدث عن أطوار خلق الإنسان؛ فإنها
ذُكرت في سياق يقتضي معرفة المخاطبين السابقة بحقيقة هذه الأطوار، وهو سياق
الاحتجاج بخلق الإنسان أول مرة على إعادة خلقه بعد الموت.
[بمعنى أن الاكتشاف العلمي يجيب أن يكون جديدا غير معلوم للناس في وقت نزول الآيات أو قبل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.]
الشرط الرابع: إجماع المختصين على كون هذا الاكتشاف حقيقة علمية ثابتة ثباتا نهائيا يمتنع نقضه، واشتهار ذلك الإجماع عنهم بالتواتر، بحيث تنتفي شبهة التقول عليهم.
ويُردّ
بالشرط الرابع كل إعجاز علمي لم توثَّق فيه الحقيقة العلمية على وجه يمنع
خفاءها والخلاف حولها والمراجعة فيها من العقلاء، ويسوّغ التحدّي بثباتها
ويقينيتها على صدق النبوة.
الشرط الخامس: إذا ادعي الإعجاز في حديث نبوي شريف لزم انتفاء احتمال صدوره بظن واجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرد بهذا الشرط كل إعجاز علمي مدعىً في حديث نبوي ليس في شأن ديننا؛ مما يَحتمل أن يكون مقولا على سبيل الظن والاجتهاد، لا بوحي من الله تعالى. ومثاله كل إعجاز علمي مدعى في أحاديث طب الأبدان التي لم يرد فيها تصريح بأنها وحي من الله تعالى.
وبعد، فبالتأمل في عامة ما يتداوله المتحمسون للإعجاز العلمي يظهر أنهم لا يراعون هذه الملاحظات المنهجية، لذلك رأينا طرح القضية للنقاش العلمي وأخذ الآراء حولها، والله الهادي إلى سواء السبيل.
كتبه: سعود عبد العزيز العريفي (بتصرف قل أو كثر وإعادة ترتيب للفقرات وبعض الإضافات من طرفنا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قل خيرًا أو اصمت: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)