الثلاثاء، 17 مارس 2015

شروط المعجزة العلمية


الشروط التي يجب أن تستوفيها أي دعوى للإعجاز العلمي لقبولها، وإلا فهي دعوى مرفوضة:




الشرط الأول: أن يكون النص مفهوم المعنى تماما لمجموع المخاطبين به منذ صدوره.

فيُردّ بهذا الشرط كل إعجاز علمي يُزعم فيه فوات المعنى الصحيح للآية على من خوطبوا بها أيام التنـزيل، كالذي عبر عنه الدكتور أحمد جمال العمري بقوله: (والذي لا شك فيه أن القرآن العظيم يضم آيات كثيرة لم تُفهم بوضوح إلا بعد أن تقدمت العلوم التجريبية في عصرنا الحاضر...، ومن ثم نقول - على سبيل القطع -: إن كثيرا من آيات القرآن الكريم ستُفهم بصورة أدق وأكمل بعد تقدم العلوم التجريبية أكثر فأكثر) [1].
 
ومثاله الإعجاز المدّعى في اكتشاف العلماء كون (المضغة) المذكورة في أطوار خلق الجنين على شكل ما يمضغ وهيئته، ففيها كأثر الأسنان في العلك، لا على قدر ما يُمضغ كما فهم السابقون، بل هي أصغر من قدر اللقمة بكثير [2]. 


 الشرط الثاني: أن يكون المعنى الإعجازي مدلولا متعينا للنص.


[تأكد من أن الآية واضحة وصريحة في ذلك المعنى المقصود بحيث لا يمكن فهمها بطريقة أخرى مغايرة للمعنى المقصود، وألا يكون ذلك فيه ليّ لعنق الآية أو تكلّف أو تحميلها لما لا تحتمله من معانٍ، أو خروج عن سياقها العام (هذا الشرط للأسف هلامي بعض الشيء وقد يختلف تأويله من شخص لآخر)]

ويُردّ بالشرط الثاني كل إعجاز علمي مبني على معنى محتمَل في الآية، حتى لو التزم صاحبه بصحة المعنى الآخر الذي فهمه السابقون أو بعضهم من الآية؛ لاحتمال أن يكون وحده هو مراد الله تعالى من الآية دون غيره من المعاني المحتملة، وإذا دخل الاحتمال سقط الاستدلال.

ومثال ذلك الإعجاز المدّعى في قوله تعالى: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض} [النور]، وأن المراد بها الموج الباطني والموج السطحي [3]؛ فإن عامة المفسرين على أن المراد بالموج الذي من فوقه موج هو هذه الأمواج المترادفة المتراكبة المتتابعة المتلاطمة، التي يشاهدها مباشرة كل من نظر إلى بحر هائج، فهي مراد للآية قطعا؛ وإلا لم يكن المثل المضروب للكافر مفهوما لمن لا يعرف الموج الباطني.


[أما فيما يتعلق بالآيات القرآنية المختلف في تفسيرها سواء بين المتقدمين أو المتأخرين فالأولى بل الواجب عدم ربطها [بالإعجاز العلمي] ومن الأمثلة على ذلك أن بعضهم قد أتى بقول الله سبحانه: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب... الآية)، أتى بها ليثبت دوران الأرض، ونحن هنا لا نناقش مسألة دوران الأرض ولكن سياق الآيات ـكما في التفاسير المعتمدةـ يدل على أن ذلك في الآخرة.  [...]

على أن بعضاً من الدخلاء على التفسير من يلوي عنق الآيات، ويعتسفها اعتسافاً لكي تتوافق مع ما يريد أن يثبته [...] ويمكن أن ندخل في هذا النطاق ما أُوْلع به بعض من لهم اهتمامات في الدراسات القرآنية من الخوض في مسألة الأعداد في القرآن الكريم، وتحميلهم الآيات فوق ما تتحمل في سبيل إثبات ما يريدون إثباته] (محمد بن إبراهيم أباالخيل - التفسير العلمي للقرآن الكريم)

الشرط الثالث: ألا يكون صدق هذا المعنى ومطابقته للواقع في نفس الأمر معلوما من قبل للمخاطبين.
 

ويُردّ بالشرط الثالث كل إعجاز علمي مبنيٍّ على معنىً كان الناس يعرفون مطابقته للواقع في نفس الأمر قبل تحّدث النبي صلى الله عليه وسلم به.

ومثال ذلك الإعجاز المدّعى في الآيات التي تتحدث عن أطوار خلق الإنسان؛ فإنها ذُكرت في سياق يقتضي معرفة المخاطبين السابقة بحقيقة هذه الأطوار، وهو سياق الاحتجاج بخلق الإنسان أول مرة على إعادة خلقه بعد الموت.
 


[تأكد من أن ذلك الاكتشاف العلمي المقصود جديد لم يقل به شخص آخر قبل أو في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم.]
 
الشرط الرابع:  إجماع المختصين على صحة هذا الاكتشاف، واشتهار ذلك بحيث تنتفي شبهة التقول عليهم.

[تأكد من وجود البحث العلمي الموثق الذي يثبت صحة الظاهرة العلمية المذكورة في المعجزة، ويشترط أن تكون ظاهرة معترفا بها علميا قد وصلت لدرجة عالية من الصحة (قال زغلول أو الكيالي أو قالت الهيئة الفلانية أو تناقلت وسائل الإعلام، أو اكتشفت البحوث ليس مصدرا، ولا حتى مواقع الإنترنت تعتبر مصدرا)]

[إن النظريات العلمية ـ كما هو معروف قابلة للأخذ والرد، والمناقشة والمداولة، وما يثبته العلماء اليوم على سبيل التغليب قد يقلبونه غداً رأساً على عقب. كما أنه من الملاحظ أبداً أن مجال الصدق في النظريات. يقرره العلماء بنسب معينة، وقد يحدث لهذه النظرية أو تلك بعض التعديل. ومن الخير أن لا نسارع بتفسير نص قرآني بمجرد ظهور نظرية تتفق مع ظاهر هذا النص، لأن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة. [...] ولنعلم أنه ليس من الحق أن نطلب من القرآن الكريم متابعة فروض العلماء على مدى الأزمنة والعصور] (محمد بن إبراهيم أباالخيل - التفسير العلمي للقرآن الكريم)

ويُردّ بالشرط الرابع كل إعجاز علمي لم توثَّق فيه الحقيقة العلمية على وجه يمنع خفاءها والخلاف حولها والمراجعة فيها من العقلاء، ويسوّغ التحدّي بثباتها ويقينيتها على صدق النبوة.

ومثال ذلك ما راج مؤخرا من الإعجاز المدّعى في نصوص عذاب البرزخ، المبني على صوت مسجّل من باطن الأرض يُسمع فيه ما يشبه الصراخ واللغط، وأنه صوت المعذبين في البرزخ، التقطته أجهزة قياس الموجات الصوتية مصادفة.      
 

 
[...]

وبعد، فبالتأمل في عامة ما يتداوله المتحمسون للإعجاز العلمي يظهر أنهم لا يراعون هذه الملاحظات المنهجية، لذلك رأينا طرح القضية للنقاش العلمي وأخذ الآراء حولها، والله الهادي إلى سواء السبيل.




كتبه: سعود عبد العزيز العريفي (بتصرف وإعادة ترتيب وإضافات منا)

المقال كاملا (اضغط هنا)



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: