الجمعة، 12 ديسمبر 2014

ماذا نفعل لو تناقض القرآن والعلم؟ هل يمكن أن يتعارض القرآن مع العلم؟




من بضعة أيام طرحنا عليكم سؤالًا وهو:  "كيف تتصرف لو بدى لك تناقض بين القرآن والعلم؟"


وصلتنا آراء كثيرة متنوعة بين من يقول أنه سيرفض العلم في هذه الحالة وبين من يرى التوفيق بين الاثنين وبين من يرى أنه لا يمكن وجود هذا التناقض... إلخ.

استمتعت بمتابعة جميع الآراء... أما هنا فسأطرح رأيي الشخصي في الموضوع.


أولا: السؤال عن تناقض القرآن والعلم يبدو غريبًا. فكمسلمين نحن نؤمن أن القرآن إلهي المصدر، فكيف يتناقض كلام الله مع العلم وهو خالق هذا الكون وقد أحاط بكل شيء علمًا؟

نعم، صحيح. لكن علينا أن لا ننسى أن العلم متقلب وغير ثابت، فما هو صحيح اليوم كان خاطئا بالأمس وقد يصبح خاطئا بالغد أيضًا.

علينا أن لا ننسى أيضا أن القرآن وإن كان إلهي المصدر فإن فهمنا له مهما كان فهو بشري! نعم نحن بشر ولا أعتقد أن أيًا منا يستطيع أن يتجرأ ويقول بأنه أحاط بعلم الله وبأنه يضمن بأن فهمه للقرآن هو الفهم السليم الذي لا ريب فيه.

إذن: العلم اجتهاد بشري لكن فهمنا للقرآن أيضا هو اجتهاد بشري!

ولذك يكون الجواب على السؤال: نعم، يمكن لفهمنا البشري للقرآن أن يتناقض مع علومنا التي هي بشرية أيضا.



إذن ما العمل في هذه الحالة؟

علينا أولا أن نسأل ما وظيفة العلم وما وظيفة القرآن؟ ولم أصلا نضعهما في موضع مقارنة؟

القرآن في الحقيقة كتاب سماوي هدفه هدايتنا إلى الله، هدفه تعريفنا بخالقنا وبهدفنا من الوجود لا أكثر ولا أقل. القرآن ليس كتاب علمي وليس هدفه تعليمنا أو إفاداتنا بالحقائق والنظريات العلمية، أي أن نوعية الحقائق التي يناقشها القرآن مختلفة عن تلك التي يناقشها العلم. 

قد يعترض البعض ويقول: ولكن بالقرآن آيات "كونية" تتحدث عن ظواهر طبيعية. وهذا صحيح، لكن علينا أن نسأل ما هو هدف هذه الآيات؟ القراءة المتفحصة تجد أنها عبارة عن إشارات تهدف لحث الإنسان على التدبر في خلق الله وعلى البحث والسير لدراسة الكون من حوله. الآيات الكونية ليس هدفها مناقشة العلم أو إفادتنا بحقائق علمية بل هدفها حثنا للعلم نفسه كطريق للوصول إلى الله. وفي الحقيقة ما تقوم به هذه الآيات هو التلميح والإشارة لا اكثر ولو كان هدفها العلم لكانت مفصلة ومحدد أكثر من ما هي عليه.

وبالتالي لا يمكننا استخدام هذه الآيات "الكونية" كمصدر علمي معتبر. أعلم أن البعض سيعترض على هذا الكلام، لكن لنتذكر جيدًا أن هذه الآيات يمكن في كثير من الأحوال تفسيرها بأكثر من طريقة: يجب أن لا ننسى أن العلماء كانوا وبالاعتماد على القرآن نفسه يقولون أن الأرض مسطحة... طبعا هذه ليست مشلكة القرآن، فعلومهم ومعارفهم في ذلك الوقت لم تسمح لهم إلا أن يستنتجوا ذلك من القرآن. والآن مع تقدم العلم وعلمنا أن الأرض كروية أصبحنا نفهم نفس تلك الآيات بطريقة مختلفة تمامًا عنهم. لذلك لا يمكن اعتماد القرآن كمصدر علمي لأن الآية الواحدة يمكن فهمها بأكثر من طريقة.

العلم مصدره الملاحظة والتجربة والإثبات ولو اعتمدنا القرآن الذي كما قلت يمكن تفسير آياته بأكثر من طريقة كمصدر علمي فإننا سنقضي على العلم بهذه الطريقة ويكون استنتاجنا أي شيء غير علمي. ناهيك على أننا سنعرض القرآن لمن يشكك في مصداقيته حين يكتشف العلم خطأ استنتاجنا. علينا أن نستخدم آيات القرآن الكونية كحافز للبحث والتساؤل والدراسة والعلم. أي نجعلها آيات تدفعنا نحو العلم فتكون آيات محفزة للعلم لا مفسرة له.

بعد دراسة الظاهرة العلمية بالطريقة العلمية السليمة يمكننا وقتها العودة لآيات القرآن الكونية وسنجد أن فهمنا لها قد تجدد وأصبح أعمق بسبب ما اكتشفناه مسبقا من العلم.

إذن القرآن هدفه الهداية وحتى آياته الكونية ليست مصدرًا علميًا بل حافزًا للبحث العلمي لا أكثر.

أعتقد أن ما قلته حد الآن قد وضح أن القرآن ليست وظيفته أصلا أن يتوافق أو يتناسب أو يفسر العلم وليست من وظيفة العلم أصلا أن يتوافق أو يتناسب أو يفسر القرآن.

انظروا لمن يستخدمون القرآن كي يدعموا فكرهم أن الشمس تدور حول الأرض أو أن الأخيرة مسطحة، لاحظوا كيف أنهم يسيؤون للعلم حين أدخلوا القرآن فيه.

ثم انظروا للإعجازيين الذين يسارعون وراء أي فكرة علمية أو غير علمية ويقولون هي موجودة في القرآن ثم بعدها يظهر بطلان فكرتهم، ولاحظوا كيف أنهم يسيؤون للقرآن حين يدخلون العلم فيه.


لكن هذا لا يجيب على السؤال المطروح... ماذا نفعل؟ أنفصل تمامًا بين العلم والقرآن؟ ماذا عن آيات القرآن الكونية؟ كيف نفهمها إذن؟ وماذا لو بدت لنا متناقضة مع العلم الحديث؟

نعم من رأيي الفصل بين المجالين الديني والعلمي.

طبعًا الدين يحثنا على العلم والمعرفة وبالتالي نحن نستخدم القرآن كحافز يحفزنا لمزيد من العلوم.

في نفس الوقت يمكننا أن نستفيد من المعارف الحديثة لإضفاء إضاءات جديدة على آيات القرآن الكونية... وفي حالة وجدنا أن العلم الحالي لا يتوافق مع فهمنا (أكرر فهمنا) لآية ما فعلينا مراجعة ذلك الفهم.

وفي الحقيقة من الصعب جدًا تخيل حصول تناقض بين آيات القرآن والعلم. لسبب بسيط وهو أن آيات القرآن يمكن وبسهولة جدًا فهمها بأكثر من طريقة فالقرآن حمال أوجه. وأعتقد أن هذه حكمة الله سبحانه وتعالى فهو يعرف أن العلم متقلب وأنه يتطور فجعل في القرآن من المرونة ما تكفي لتفسيره بأكثر من طريقة حسب تقدم العلوم في كل زمن. ولذلك يمكن للعربي بدوي الصحراء أن يفهم القرآن دون إشكالية ويمكن للعالم في عصرنا الحالي أن يفهمه أيضا دون مشكلة كل بطريقته الخاصة وكل حسب علمه وفهمه.

وبالتالي لو حصل تناقض ظاهر بين القرآن والعلم فإننا علينا أن نراجع فهمنا للقرآن، ونرى هل حقًا تفسيرنا لتلك الآية سليم أم أنه يمكن فهمها بطريقة أخرى منطقية أيضا لكنها تتوافق مع العلم.


قد يتساءل أحدكم ويقول: لكن العلم ليس مطلقا وقد يأتي يوم ينقض ما نعرفه! فكيف نفهم القرآن على أساس شيء متقلب؟ وهل نبقى نعيد تفسير القرآن كلما اكتشف العلم شيئا؟

لا أرى مشكلة في ذلك. في الحقيقة المشكلة لا تأتي من إعادة التفسير بل تأتي من تعصب البعض للتفسيرات القديمة مثل من مازالوا يتعصبون لفكرة أن الأرض مسطحة.

لو اعترفنا بأننا بشر وبأن تفسيراتنا بشرية تحتمل الخطأ والصواب فلن نجد بأسا في مراجعتها لو بدى لنا اكتشاف جديد يثبت خطأ فهمنا القديم للقرآن.

فالقرآن وإن كان إلهي المصدر فإن فهمنا له بشري وبالتالي وإن كنا نقدس القرآن فإن علينا أن لا نحيط فهمنا له بهالة من التقديس بل تكون لدينا عقول مفتوحة لتقبل ما يطرحه علينا العلم الحديث وإن اقتضى ذلك إعادة فهم القرآن بمستجدات العلم وما يتوافق معه.

وأخيرًا أختم بهذه الاقتباسات التي أعجبتني:


"ذلك أن العبارة القرآنية أو الجملة القرآنية، قد جعل الله فيها من المرونة والسعة بحيث يفهمها العقل العربي العادي في عصر نزول القرآن، ويجد فيها المسلم ما يشبع فكره ووجدانه معا، بالفهم الفطري الميسر لكل قارئ للقرآن. ومع هذا أودع الله الجملة القرآنية من السعة والخصوبة ما يتسع لما يكشف عنه الزمن من حقائق، وما يبلغه العلم من تطور وتقدم، كما نشاهد في عصرنا.

ولو كان القرآن كتابا من تصنيف البشر وتأليف عقولهم، ماكان يمكن لعباراته أن تتسع لمختلف الأزمان، وتطورات الإنسان، بل كان مرور الزمن يكشف عن كثير من القضايا الي ذكرت في الكتاب على أنها حقائق مسلمة، فإذا هي أوهام مرفوضة.
" (يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟)


"مرجعيتك العلم فأنت مرجعيتك القرآن" (مها مصري)

"لو بدا أن هناك تعارض ما بين نص ديني و حقيقة علمية من الدرجة الثابتة أو عالية الاحتمال فإنه ليس علينا إلا فحص فهمنا نحن لا تغير العلم ولا تغيير النص" (هيثم طيب)



محمد عمارة: الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية ص16


هذا والله أعلم.

هناك 4 تعليقات:

  1. حلو هالكلام ....لو احد يفسر لنا اية قصة الغراب الذي يدفن موتاه ...لاني بحثت كثيرا عن فيديو علمي لطائر الغراب وحياته وعيشه وكيف يتصرف ما وجدت له اي دفن او محكمة الغربان مع ان في كثير من الكتابات الاسلاميه فقط كتبت ان للغراب حياة ومجتمع ومحكمه وقصاص فمن اجل ذلك ذكره ربي في القران ......
    ولكن انا اقول ان اية قصة الغراب لا شان لها بطائر الغراب
    اذا تعرفين افيديني

    ردحذف
    الردود
    1. السلام عليكم
      شكرا لتعليقك ومتابعتك لنا :)
      لا عليك مما تقوله الكتب الإسلامية وفيها ما فيها من إضافات بشرية تحتمل الصواب والخطأ
      لم يذكر القرآن جنس الغراب بأكمله بل قال أنه بعث غرابا واحدا
      أي الأمر معجزة واحدة في غراب واحد لا تنطبق على كل جنس الغراب بالضرورة

      حذف
  2. فقط ليريه كيف يواري سوأة أخيه

    ردحذف
  3. لا يمكن أن يتناقض القران مع العلم الصحيح .ألا أن كانت المعلومة العلمية غير دقيقة وغير صحيحة مئة بالمئة...ومن عنده أطلاع يعلم أن كثيرا من المعلومات العلمية (المفترضة) قد ثبت عدم دقتها .

    ردحذف

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: