
ماذا يوجد فوق رأس البعوضة؟ وما هو التفسير الحقيقي لآية "بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"؟
يتناقل أهل المنتديات أمرا يعتبرونه علميا ومصداقا لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة 26)
قائلين بوجود حشرة صغيرة فوق البعوضة لا ترى بالعين المجردة (بالمناسبة لا يقدمون أي صورة لها!)، ووجه الخلاف معهم أنّ (الفوق) هنا ليست (فوق مكان) إنما هي (فوق مقدار وتدرّج).
الآن ما هو تفسير الآية؟
تفسيرها أنّها خبر من الله أنّه يضرب من الأمثال في القرآن ما يشاء ابتداء من أصغر مخلوق تشاهدونه وانتهاء بأكبر مخلوق -هذا هو المعنى وما افترضوه تمحّل وتصنّع-.
قال الطبري رحمه الله: "وذلك أنّ قول الله جلّ ثناؤه: "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها"، إنما هو خبرٌ منه جلّ ذكره أنه لا يستحي أن يضرب في الحقّ من الأمثال صغيرِها وكبيرِها، ابتلاءً بذلك عبادَه واختبارًا منه لهم، ليميز به أهل الإيمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به, إضلالا منه به لقوم، وهدايةً منه به لقوم آخرين".
و لا يخفى على أحد أن الوصف الدقيق للبعوضة بل لأي مخلوق سيبهرنا [...]، كما نعلم التعايش بين الكائنات فنجد مثلا فوق جلدنا مهما نظفنا توجد بكتيريات، وفوق جسم البعوضة من المحتمل أن نجد كائنات الله أعلم بها.
لكن لا يمكننا أن نلوي يد اللغة العربية، ونطوعها لعامياتنا فنفسر عبارة فما فوقها بالقول أنها تقصد كائنات موجودة فوق جسم البعوضة، فهذا تقويل للقرآن بما لم يقله، والعبارة تعني ما جاء في التفسير أعلاه.
عبد اللطيف أبو جمانة (بتصرف)
فالآية لا تشير بأي حال لكائن فوق رأس البعوضة، فمثلًا: الجراثيم يمكن أن توجد على رأس دبوس، وعلى رأس أي كائن آخر، إنما الآية تعني أكبر منها في العظم أو الصغر قولان للعلماء، وهذه الصيغة جاءت في أحاديث أيضًا، مثل ما في صحيح مسلم عن عائشة مرفوعًا: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" فهل يقصد هنا وجود شيء فوق رأس الشوكة؟!
إنما الكلام يعني يشاك شوكة أو أكبر منها، أو حتى دونها إلا كتبت له بها درجة، فالآية تعني إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا بالبعوضة وأكبر منها في صغرها، وقلة شأنها عندكم، أو أكبر منها.
يوسف سمرين
هذا والله أعلم.
