الثلاثاء، 7 فبراير 2012

الجن والعفاريت: تبيين الخرافة من الحقيقة


هذا حوار مع الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- عن الجن وعلاقتهم بالإنسان.


الكلام بالأخضر للغزالي أما الزيتي فهو للمضيف(ة).

[...]

لقد بليت الثقافة الإسلامية من قديم بأقوام لم يرتفعوا إلى مستواها. ولم يحققوا أدب الإسلام في تلقيها، بل كان لهم غرام في تلقي الأوهام واتباع الظنون والخرافات مع نهي الدين عن ذلك. قال تعالى: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)).
[...]

وفي هذه الأيام شاع لغط كثير في علاقة الجن بالبشر لا صلة له بكتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتركه على هذا النحو يلحق بسمعة الإسلام وثقالته أذى كثيرا. ونريد تنبيه المسلمين إلى أمور: أولها أن الجن الأشرار لا يملكون إلا الوسوسة، ولا سلطة لهم فوق ذلك بنص القرآن الكريم. قال تعالى مصوّرا كبير الشياطين: ((ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي))، وفي موضع آخر قال: ((فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون))، وفي موضع آخر يقول: ((ما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك)).

فهل يجوز مع هذه النصوص تصوير الجن ببلطجية تضرب من تشاء وتنكح من تشاء وتفرض سلطانها الخرافي لينتفع به الخرافيون من البشر؟ ثم يتم تطويع الإسلام لخدمة الإفك؟

[...]

 

*بين آن وأخر تبدو على السطح ظاهرة الجن وتلبسهم بالناس ومحاولة البعض علاج تلبس الجن بالإنس ومع هذا ترتفع نداءات الأطباء النفسيين بأن ذلك كله من الأمراض النفسية التي تتخذ مظاهر جسمية، [...] فيما يقول المعالجون الشعبيون أن الجن مذكور في القرآن والسنة، فلم ننكره؟ بين هؤلاء وهؤلاء تميع الحقائق. فهل لفضيلتكم أن توضحوا لنا رأي الدين في تلبيس الجن بالإنسان وزواج الجني بإنسية أو العكس... وهل يملك الناس القدرة على التحكم في الجن؟


لم يرد في الكتاب ولا سنة أن إنسيا تزوج بجنية أو جنيا تزوج بإنسية، بل الذي ورد في القرآن الكريم هو قوله تعالى: ((إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)) 

فإذا كان الجنسان لا يتراءيان فكيف يتزوجان؟ ولماذا نتصور زواج فيلة بجرو؟ أو ثور بسمكة؟ هذه أجناس مختلفة فما يجمع بينهما؟!

أيهما المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يجتمعان؟

لقد مر عصر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين دون أن يغلط أحد بهذا اللغو، فلما سقطت راية الثقافة الإسلامية وقال من شاء ما شاء جاء في أيامنا من يستنطق العفاريت في مجالس خاصة. ويأخذ عنهم ما يسميه علما، وليس هناك ما يسمى بتحضير الأرواح، وليس هناك ما يسما تحضير العفاريت. العلم العقلي معروف المصادر، والعلم النقلي محفوظ في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتراث الأئمة المعتمدين.

[...]


 

*بعض المعالجين من تلبس الجن يقومون بضرب المريض ضربا مبرحا لطرده فهل يجوز ذلك؟ [...]

الذين يضربون مريضا حتى يقتلوه بزعم تلبس الجن به يقتلون فيه قصاصا عدلا، وجهلهم لا يشفع لهم في إسقاط الحد، ويجب قطع دابر هذه الخرافات.


*إذا ادعت امرأة أنها حامل من جني اغتصبها فما هو الحكم؟! وإذا ادعى رجل اعتدى على امرأة أن الذي فعل ذلك هو الجني الذي تلبسه، فما هو الحكم في رأي فضيلتكم؟!

تقتل المرأة رجما إذا زعمت أن الذي زنى بها رجل تلبس به الشياطين! كما يقتل الرجل رجما إذا زعم أن الجني الذي تلبس به هو الذي زنى وليس هو الذي فعل، وذلك إذا كان كلاهما محصنا واستكملت بقية شروط الحد، وإلا فالجلد مائة هو الحكم، ولا ينفذ الرجم في المرأة حتى تضع حملها ويستغني عنها ولدها، لأن الزعم بأن الرجل الملبوس فاقد الإرادة وكذلك المرأة كذب!


*ولكن هل هناك علاقة بين الجن والتداوي بالقرآن والتنجيم؟!

التنجيم كذب، ((قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)) والقرآن كتاب لهداية الخلق وليس "فيتامينات"

[...]

فالقرآن جاء لنتعلم به الإسلام والأخلاق والمبادىء. وعلى افتراض أن القرآن به بعض الأدعية مثل: ((رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون))، ((سورة الناس))، فما دخل هذا بأن يحوله البعض إلى كتاب للعلاج؟

فهي أدعية تمنع وسوسة الشياطين لأنه لا يملك إلا الوسوسة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء)). وقد وصف صلى الله عليه وسلم بعض الأدوية منها العسل وحبة البركة، وحتى أن بعض الناس قالوا إن أدوية الرسول صلى الله عليه وسلم من العاديات وليست من العبادات. حيث أنها من الأمور العادية التي تناسب البيئات وهي غير ملزمة.

[...]

المجانين لهم أحوال كثيرة وأمراض الأعصاب جزء من تخصصات كلية الطب. وقد جاء هذا الكلام في وصف اليهود حيث قال تعالى: ((واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر)) فإذا كنا نأتي بكل الخرافات ونضعها تحت الغيبيات فهذا غير مقبول ولا نسمح بهذا لإفساد دين من الأديان، وقد أمرنا الله بالتنقيب في المادة والنظر في الكون فلماذا يعيش المسلمون في الأرض لا يفكرون ولا يخترعون أي شيء لماذا؟ لأنهم اتبعوا ما قاله الشياطين على ملك سليمان.


*وما هو تفسير قول تعالى: ((لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس))؟

جمهور المفسرين أجمعوا على أن ذلك يوم الجزاء لأننا لم نر أكلة الربا مصروعين في الشوارع توشك أن تدوسهم الأقدام. وإنما يتم ذلك عندما يلقون الله فيحاسبهم على جشعهم وظلمهم.

[غير أن هذه الآية خاصة بالربا ويأتي تشبيه آكله كمن يتخبطه الشيطان (على سبيل التمثيل لا الواقع).. فالقرآن الكريم استعمل تشبيهات مجازية واستعارات بلاغية كثيرة كهذه دون أن يعني وجودها فعلا.. فالتذلل للوالدين مثلا شبهه بجناح طائر «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة» وشجرة الجحيم شبه طلعها «كأنه رؤوس الشياطين» وإساءة الظن بالآخرين كمن «يأْكل لَحم أَخيه ميْتاً» .. والتشبيه هنا مجازي كون الرحمة لا تطير على أجنحة، ورؤوس الشياطين لم يرها أحد، وجميعنا يسيء الظن دون أن نأكل في الحقيقة لحوم البشر.. ولكن ذكاء النص القرآني يكمن في حث كل قارئ على أن يتخيل بنفسه لطافة الرحمة، وبشاعة الشجرة، وخطورة الظن، ونتائج أكل الربا بحيث نتصور آكله (وكأن) شيطاناً يتخبطه من المس في حين لا تظهر هذه الأعراض على من يأكل الربا فعلا!] (بقلم فهد عامر الأحمدي)


 

وقال الشيخ الغزالي:
إن الشيطان لا يجبر الإنسان على المعصية ولا يصد عن الطاعة إلا بما يملك من الاحتيال والمخادعة كما في قوله تعالى: ((واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا))، فالشيطان لا يملك من الأدوات إلا استغفال المغفلين كما في قوله تعالى: ((ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان)).
إن سمعة هذا الدين ساءت من شيوع هذه الأوهام بين المتدينين وحدهم، ولا معنى لاتهام الجن بما لم يفعلوا، وإني لأتعجب هل العفاريت متخصصة في ركوب المسلمين وحدهم دون بقية الأجناس والأديان الأخرى؟ [كثيرا ما يستغرب الغزالي في مواقع أخرى كيف أننا لا نسمع عن ياباني ركبه جني مثلا!] وإقحام الكفر والإيحاء في هذه القضية لا معنى له ولكنه غلو بعض المتدينين في إثبات قضايا هامشية، وأهل الفقه منزهون عن هذا المسلك فالذي يعنيني هو عقائد الإسلام.



*** طرفة ***

جاء شاب يعاني من مرض نفسي إلى الغزالي فقال: جئتك يا فضيلة الشيخ طالبا مساعدتي، فأنا مريض.

الشيخ: وما مرضك يا بني؟

الشاب: أنا مسكون.

الشيخ: مسكون وإيه يعني مسكون؟

الشاب: سكنني جن وهو جن يهودي.

الشيخ: الله؟ ألم يكف اليهود أنهم احتلوا فلسطين وسكنوها، حتى تضيق بهم، فيبعثوا بمن يسكن جسمك النحيل هذا؟


*** ***




مصدر الحوار:

الجن والعفاريت: لمذا الجن والعفاريت؟ لماذا هذه القضية بالذات؟ (مجلة سيدتي، العدد 72) 11- 17 /05/1996

تم نقل المقال بواسطتي من كتاب (الشيخ محمد الغزالي: حياة وآثار، شهادات ومواقف) لنصر الدّين لعرابة.



مصدر الطرفة:

 دمعة جزائرية على الشيخ محمد الغزالي بقلم عبد الرزاق قسوم (عن كتاب "نزيف قلم جزائري") تم النقل من كتاب (الشيخ محمد الغزالي: حياة وآثار، شهادات ومواقف) لنصر الدّين لعرابة. 

هناك تعليقان (2):

  1. و مادا عن الآية الكريمة
    الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ

    ردحذف
  2. جزاك الله هير الجزاء
    وأنا معكم في ذلك

    ردحذف

| مقطع مرئي |

اكتب عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا: